كيف كان وضع الأكراد في ظل الإسلام, وهل كان الإسلام على الأكراد نعمةً أم نقمة؟
= القرآن في الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع, وبما أن القرآن ينص على حرمة دم الإنسان بغير حق وعلى قداسة هذا الحق وعدم جواز مساسه بأي شكل من الأشكال, فقد اعتبر كل من ينتهكه ويستحله كافراً.
أما بالنسبة للدور الذي لعبه الأكراد في الإسلام, فأستطيع القول بأنه الأكراد تحققت لهم إبان الإسلام مكاسب كثيرة, وبدلاً من أن يتعرضوا للإذابة والصهر كما يحدث اليوم, فقد قامت لهم فيها أربع عشرة دولة لا مركزية وخمس وثلاثون إمارة استقلت بنفسها,
بإدارة شؤونها وأمورها, ومنها على سبيل الذكر لا الحصر وبحسب المؤرخ محمد عوني, إمارة الجزيرة وهكاري وسوران وغيرها .... الخ
لهذا يمكن الحديث عن وجود قدر كبير من المساواة إبان فترة الحكم الإسلامي, فبفضل الإسلام الذي نبذ التعصب والتسلط والاستبداد, تمتعت العديد من القوميات ومن بينهم الأكراد بقدر من الاستقلال, الذي حفظ هويتها وشخصيتها.
وأثناء حكم الساسانيين كانت للكرد زعامة قوية فمنهم جانسار وجان سبار أخوان زعيمي جيوش الفارسية في محاربة الروم وفي عهدهم استولى الرومان على الكردستان الغربي من سنة ثلاثمئة قبل الميلاد إلى ظهور الاسلام، وقد أجبروا على المسيحية وأبيد العلماء الزرادشتية وكان عددهم 33 ألف في يوم واحد .
وقبل الميلاد بثلاثمئة وخمسين سنة تأسست دولة كوردية دامت قرابة سبع وعشرين قرناً. وبعد الساسانيين تعاقب الرومان على حكم المنطقة, وفي هذه الفترة تعرض الكورد للإبادة والقتل.
وفي العهد الاسلامي تحول بعض من شعوب المنطقة إلى القومية العربية, فالمصريين والشاميين لم يكونوا عرباً, أما الآن فإنهم تعربوا وصاروا عرباً, وبالنسبة للأكراد فقد حافظوا على هويتهم وشخصيتهم وبقوا على قوميتهم في اكثر الأماكن واستعصوا على الصهر والإذابة والانحلال.
وفي الواقع فقد تعرض الكورد للصهر والإبادة من قبل الفرس والبيزنطيين قبل مجيء الإسلام.
وبعد مجيء الإسلام, دخل الكرد في الاسلام باختيارهم ونالوا حقوقهم وفي عهد المعتصم العباسي مارس العباسيون تمييزاً عنصرياً إزاء الأكراد وهذا معروف, والأكراد وقفوا في وجوههم.
وكان للغة العربية تأثيرها في بعض الكرد غير الرحل كميريدين ورها وسيرت وجبال صاصون وجولميرك, إلا أن الكرد الرحل (كوجر) لعبوا دوراً بارزاً في الحفاظ على الشخصية الكوردية من الزوال.
إن سبعمائة عام أو تسعمائة عام من التضييق والحجر والحصار كفيلة بالقضاء على الخصائص القومية لأمة من الأمم, ومع ذلك فقد بقي الكورد وبقيت لغتهم حية ترزق.
وهنا أمر مهم وهو أن الانصهار الذي جرى هو مخالف للإسلام فالقرآن يؤكد على حق الإنسان في لغته وأنها من آيات الله في هذا الكون وأن إنكارها إنكار لآية من آيات الله قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾[الروم :22]
- ما موقفك من الأحزاب الكوردية؟
= تحدثت إلى أحد قياديي الاحزاب وبينت له حجم الغبن الواقع على الأكراد, أيعقل ألا يكون لنا أي وجود أو تمثيل؟, أيعقل ألا يكون لنا ولو حتى مدرسة تدرس بلغتنا, بينما أنتم ترتكبون الأخطاء تلو الأخطاء, دون أي إدراك منكم لحجم التحديات في الوقت الراهن, دون أي التفات منكم للمصالح الحقيقية للشعب الكوردي. الشعب الهندي مثلاً كان يرزح تحت وطأة الاستعمار البريطاني, وقام غاندي الذي كان مجرد عابد مجوسي بقامته القصيرة وثيابه البالية بقيادة نضالاتهم بكل تواضع وتفانٍ وإخلاص, هتف له ستمائة مليون هندي والتفوا حوله بكل حبٍ وحرارة.
عندما زار لندن ضرب أروع الأمثلة الوطنية في الوفاء لبلاده والإخلاص لقضيته, حينئذٍ استقبله الإنكليز بكل حفاوة وتكريم, مع ذلك رفض طعامهم وأبى الجلوس على موائدهم.
وقام الهنود إبان الاستعمار البريطاني بعقد مؤتمرهم وطالبوا باستقلال بلادهم, وعمدوا في سبيل ذلك بتسيير المظاهرات السلمية احتجاجاً على سياسة بريطانية, وقاطعوا الانكليز وشركاتهم, وخرجوا من الجيش البريطاني حتى لم يبق في الجيش إلا الرؤساء الانكليز مما اضطر الإنكليز للتفاوض مع غاندي ومنح الهند استقلالها.
هذا ما قلته للمسؤول الكوردي, واستأنفت كلامي: فما الذي فعلتموه لشعبكم منذ خمسة عقود.
في انتخابات عام 1990 البرلمانية, ذهبتم إلى الشيخ عزالدين الخزنوي (رحمه الله), وطلبتم تأييده في الانتخابات, وعندما أذن الإمام للصلاة انصرفتم رغم دعوة الشيخ لكم بالحضور إلى الجامع, والالتقاء بأبناء شعبكم, فلماذا تغادرون ولا تاتون الى الجامع حتى يراكم الشعب فيأنسوا بكم؟ أين الحنكة والدهاء, وأين حسن التصرف واللباقة, أين أنتم من استغلال الظروف والطاقات والأشخاص, أنتم بعيدون عن ذلك.
للتنويه أذكر بقصة طريفة, عند التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد, انسلّ الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إلى الكنيسة, وعندما تأخر عن الحاضرين, سألوه عن ذلك, فأجابهم: ذهبت إلى الكنيسة حتى يبارك الرب في هذه الاتفاقية.
فهل كان جيمي كارتر مسيحياً متديناً؟.. أشك في ذلك.
ومع الأسف فأنتم لم تفعلوا الشيء نفسه, وهذا يكون مشككاً في موالاتكم للقضية الكردية!
في الخمسينات التقيت الشاعر جكرخوين فقلت له: بعد كل ما كتبته من أشعار من تراه سار خلفك يا جكرخوين؟
إنكم تطلبون من الشعب أن يسير وراءكم ويتبعكم, ولكن هل صححتم أخطاءكم وعدلتم نهجكم وقومتم سلوككم وأدواتكم حتى يتبعكم الناس؟؟؟؟
في إحدى خطب الجمعة ذكرت أن الأمن اعتقل أحد منتسبي البارتي, وأعرف شخصاً اسمه براهيمو, استخدمه الأمن لخدمتهم, سألته مرةًُ عن حاله, فقال بحرقة: ومن غير ندم على ما اقترفه: آه لقد قطعوا رزقي؟ منهم لله, في السابق, كنت أضع لهم الشاي وأدعمهم بالأخبار فيعاونوني في شيء مادي , واليوم تغير الحال, وأولاد الحلال ما عم يقصروا, فهم يجلبون لهم الشاي من بيوتهم وكذلك المعلومات مجانا. (وهنا استطرد الشيخ حديثه ضاحكاً).
- فضيلة الشيخ, ما هي حقوق الشعب الكوردي برأيك؟
= كنت راكباً في الباص فسألني بعثيٌ مرةً: أين تقع كوردستان؟, فقلت له: أماكن سكنى الأكراد, هي كوردستانهم, والكرسي الذي أنا عليه هي كرستان والكرسي الذي أنت عليه هي عربستان ونحن ككورد نطالب بحقوقنا القومية, ونطالب بالاعتراف الدستوري بوجودنا, ونطالب بالتمثيل في الحكومة والبرلمان على قدم المساواة مع إخواننا العرب.
في الوقت الحاضر وكمرحلة انتقالية, من المهم الاعتراف بنا دستورياً, أرضاً وشعباً, وأنا أطلب من الجميع أن يتبنوه. أما في المستقبل فمن حق الشعب الكوردي تقرير مصيره بنفسه, وإنشاء دولته, وكل مرحلة لها استحقاقاتها وسقفها ومستلزماتها.
- فضيلة الشيخ, هل أنت مع تأسيس حزب إسلامي كوردي؟
= ولمَ لا, معظم القوميات لديها أحزاب دينية, ومن حقنا أن نؤسس حزباً إسلامياً قومياً كوردياً, بشرط عمله من داخل الجماهير ولمصلحتها, وأن يعبر عن طموحاته ويقر بالحقائق ويناضل ضمن الواقع.
أحد رجال الأمن سألني: لماذا تكثر أحزابكم الكوردية؟, فرمقته وقلت له: كأنك لا تعرف الجواب. دسائسكم ومؤامراتكم الهادفة إلى تمزيق الجسد القومي الكوردي, وبعض المؤيدين لكم من أعضاء هذا الجسد. أنا أعلم بأنكم أعلنتم عن حزب كوردي باسم شخص واحد وليس له من ولي ولا نصير غيركم أنتم فحسب.
الحزب الكوردي الإسلامي الذي يروقُ لي هو الحزب الذي يقر بحقوقنا القومية كشعب مميز تاريخياً ولغوياً, ويقر بأرضنا وطناً كجزء من كوردستان التاريخية التي انتزعت منا, وهذا ما قلته لشخص أوربي وأردفت كلامي: وحتى الجنسية انتزعت منا.
وفي تطبيق الحزام العربي الجائر السيئ الصيت سلبواأرضنا بطول 375 كم وعرض ما بين 10-20 كم, ظلماً وعدواناً, قال تعالى: ((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (البقرة:84)
وقال: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:9)
والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يحدث عمن غصب أرضاً من صاحبها بأنها تصبح ناراً تطوق عنقه يوم القيامة. فعن ابن مسعود قال: قلت يا رسول الله: أي الظلم أعظم قال: « ذِراعٌ من الأرض ينتقِصه من حقّ أخيه، فليست حصاة من الأرض أخذها، إلا طُوِّقها يوم القيامة إلى قعر الأرض، ولا يعلم قعرها إلا الذي خلقها ».
وعن عبد الله t قال: قال رسول الله r: «من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة لقي الله وهو عليه غضبان». رواه البخاري، برقم :(6891 )
وقال r: «من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه طوقه من سبع أرضين، ومن تولى مولى قوم، بغير إذنهم فعليه لعنة الله، ومن اقتطع مال امرئ مسلم بيمين فلا بارك الله له فيها». رواه أحمد، برقم :(1553 ).
سنظل نعمل من أجل قضية شعبنا وسنسعى إلى توحيد صفوفه تحت راية واحدة ولن نطالب بغير حقنا, وأنا أطالب أن تجتمع الأحزاب الكوردية لإيجاد مرجعية كوردية, تكون مصدراً للقرار الكوردي, وأن يكون المؤتمر مؤتمراً علمياً وعملياً تنبثق منه أغلبيةُ تطرح الواقع الكوردي وتدرسه وتبحثه وتؤطر لإيجاد مخرج وصيغة وآلية للعمل وفقها, لا أن تكون القرارات مجرد حبر على ورق.
إخواننا في العراق, ليس بمقدورهم تقديم يد العون والمساعدة, فهم يعملون وسط نار تطوق بهم من كل جانب, فلا تُحملوهم فوق طاقاتهم.
احتضنوا إخوتهم أكراد تركيا, فتركيا قد كشرت عن أنيابها, بمائة ألف جندي حشدته على الحدود معهم, وهددوا الإقليم بالاجتياح, بحجة وجود مقرات حزب العمال الكوردستاني هناك.
لا سبيل أمامنا غير الوحدة, ولن يتحقق أهدافنا بغيرها.
أكثر من 180 مائة وثمانين دولة توجد في العالم, كلها حققت استقلالها عن طريق الوحدة, بالوحدة أولاً وأخيراً.
- فضيلة الشيخ: في العهود السابقة لعب رجال الدين من الشيوخ والملالي الكورد دوراً ريادياً بارزاً في يقظة الشعب الكوردي, فقادوا نضالاته وثوراته وانتفاضاته, وفي الوقت الراهن تقلص هذا الدور وانحسر مع استثناءات نادرة وأشير هنا إلى شيخ الشهداء العلامة الفذّ (رحمه الله) معشوق الخزنوي, الذي ضحى بنفسه لأجل شعبه.
هل تفكرون في إعادة مثل هذا الدور إلى سابق عهده؟
= إي والله لكم أتمنى في إعادة مثل هذا الدور, وأدعو رجال الدين الأكارم إلى الخوض في النضال من أجل رفع الظلم والحيف عن كاهل شعبنا الكوردي
. لقد قضيت عمري جميعه في تأييد حركة ملا مصطفى البارزاني وفي سنة 1970 انخرطت في الثورة , وكلفني حينذاك, للنظر في القضايا الاعتراضية, والقضاء بحل المشاكل بين الناس...
إن الحديث الصحيح عن الإسلام الحقيقي بين الناس هم من واجب علماء الدين, وهذا ليس محل خلاف.
وما أود قوله: هو أن البعض لا يعي هذه الحقيقة, ويقوم بفصل الدين عن السياسة, مع أنهما متقاطعان متكاملان, ويضع السياسة في موضع العلاقة الضدية العدائية من الدين, وهذا خطأ فادح.
أنا أحارب مثل هذا التوجه, وهو بنظري, ادعاء باطل, يفتقر للحكمة, ويجانب الصواب. فالعلاقة بين الدين والسياسة لا يجب أن تكون تنافرية, بل تجاذبية, والقول بغير ذلك وهم وكذب.
إن السياسة التي تنشد الحقيقة وتلامس الواقع, وتحتضن الجماهير ومصالحها, تتفق مع الدين ولا تتناقض معه.
طلبت مني الأمن أن أسلك إحدى الطريقين, فإما الدين وإما السياسة. فقلت: لن أفعل ذلك, لأني لا أؤمن بذلك, سأستمر بنشر الدين الصحيح, وسأسلك سبيل النضال القومي حتى التحرر من الظلم والاضطهاد.
سألوني: وهل يوجد في الدين ما يدعو إلى النضال القومي؟. قلت: كيف لا؟ توجد دعوة للسياسة, وتوجد دعوة للقومية.
لن نعمل إلا من أجل شعبنا, ولن نسير إلا على طريق النضال.